الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الإعلامي المنصف بن مراد يكتب: تـونـس، مــســتـشــفــى الـمــجـــانــيـــن

نشر في  17 أفريل 2018  (14:36)

سيشهد التاريخ أنّ أراضينا هي أراضي السعادة والنجاحات وغزو القمر واصطياد السمك في قمم الجبال

هذا خروف يمجّد، وآخر يدمّر وكلها تشترى بالفوائد والأموال

بأمر من الطبيب دخلت مستشفى المجانين فوجدت نفسي سجينا، يرافقني أحد عشر مليون مجنون همّهم الوحيد حرق المستشفى والمدن المجاورة حتى وإن كانت تحتضن منازلهم... وجدت في المتحف كبير المجانين الذي أطلق على نفسه اسم «الداهية» في الأيام الفردية، و«المعلّم» في الأيام الزوجية وذلك بمباركة الحاشية والأصدقاء والعائلة... سألته عن حالة المستشفى وسكّانه،  فتبسّم وطلب من التلفزة تصويره أثناء اجابته حتى تعمّ الفائدة في ربوع المملكة، ثم قال:«لماذا هذه النبرة من التشاؤم؟ هذه النبرة السلبية التي تجري في حروف سؤالك تدل انّك من كبار المعارضين وربما من كبار المخرّبين! انّ حالة المستشفى على أحسن حال فهناك إحدى عشرة مليون مريض مسرورون وأنا متربّع على كرسيّ الملك... والدليل على عبقريّتي في تسيير شؤون المستشفى هو صحّة قطّتي الجيّدة ورضا زوجتي والمنافع التي تحصّلت عليها «القبائل المقربة»، وسيشهد التاريخ انّ أراضينا هي أراضي السعادة والنّجاحات وغزو القمر واختراع الصّواريخ والأدوية ضدّ السرطان واصطياد السّمك في قمم الجبال... استمعت لهذا الكلام الغريب الذي صفّق له المستشار «منافق» وزميله نفاق والمستشارتان الخارقتان للعادة «زبيدة ومـلوخية»... غادرت المقهى واتجهت إلى بيت الصلاة فوجدت إماما وبيده عصا وقنبلة وكتاب يوزّع «ديبلوما» يسمح بدخول الجنة لكلّ جاهل أو متطوّع لتفجير نفسه وهو المنسّق العام لنقابة الأيمّة التي تدير شؤون العقيدة والأخلاق الحميدة ومحاربة أنوار العقل في الليل والنّهار... ثمّ اتجهت نحو ساحة الأحزاب فوجدت كل المسؤولين يتصارعون ويتحاربون ويتقاتلون من أجل الكرسيّ ومنافعه وكل واحد منهم يصرخ «بالرّوح بالدم نفديك يا كرسي»... ابتعدت عن ساحة الأحزاب صوب ساحة حماة العمال حيث استمعت الى كبيرهم يكرّر «الزيادات في الأجور هدفنا والتأثير على الحكومة مرادنا والاضرابات سلاحنا.. اليوم، أصبحنا أكبر حزب في البلاد»... ومن هنا عرّجت على ساحة الحكم فوجدت انسانا واقفا على كرسيه والعواصف ترمي به شمالا وجنوبا وهو يتأرجح فاقدا توازنه، يفتش عمّن ينقذه فغادرت المكان واتجهت الى ساحة الإعلام فوجدت سوقا تباع وتشترى فيه الخرفان مختلفة ألوانها..فهذا خروف يمجّد وهذا خروف يدمر وكلها تُشترى بالفوائد والأموال... ومنه مررت بساحة حقوق الانسان فرأيت مدارس عديدة تلقن فيها دروس لحماية الارهابيين من القضاء من قبل الأستاذ الكبير عمر مراوغة وأساتذة أجلاء يدرسون فنون حرق مراكز الأمن وغلق الطرقات وقتل الأبرياء وبناء جدران على السّكك الحديديّة واتهام الأمنيين بالتعذيب لانقاذ الارهابيين والحصول على المليارات كتعويضات...
وفجأة اندلع لهيب في مستشفى المجانين امتدّ الى كلّ الميادين فركضت صوب الميناء واستطعت الفرار مع بعض الناجين،  والبلاد في فوضى عارمة والحرائق تمتدّ بينما هرع كبار القوم نحو المطارات وفي أياديهم حقائب ثقيلة غريبة..
وأنا على متن السّفينة كتبت هذه الرسالة ووضعتها في قارورة ورميتها في البحر... لا أدري ماذا سيكون مصيرها ولا مصيري ولا مصير المقيمين بمستشفى المجانين...